Tuesday, November 19, 2013

’’ وِنْتَ مِنْ وايْنْ’’


’’ وِنْتَ مِنْ وايْنْ’’

الإثنين 18 نوفمبر 2013
جهزت حقيبة الرحيل، فيها شيء من خبز اسمر وقطرات من ماء البئر في حارتنا. فوق ظهري كيس خفي، فيه ذكرياتي وصور الأهل و الأحباب. ملأت صدري بنفس طويل من هواء قريتنا. عيناي لم يفتها أن ترسم في ذاكرتي صورة لأشعة الشمس  التي لا تغيب عن حارتنا، ودفؤها أبى إلا أن يتسرب لداخلي كي يسكن كياني. نسيم بلادي يداعب جلدي في وداع مهيب، ورائحة المحيط علقت بأنفي قبل أن القي آخر نظرة عن مكان رأيت فيه النور لأول مرة في حياتي.
تحركت القافلة في اتجاه الشمال، مرادي بلاد البرد والظلام والضباب. في قلبي شيء من الخوف والجوع، و بصيص من الأمل في والوصول إلى بلاد يحكى أن فيها حقوق الإنسان. في حارتنا زمام الأمر في يد الحديد والنار، جهنم صنعها الاستعمار وزادها الجفاف والفساد توهجا ولهيبا يجبرك على الفرار.الطريق مليئة بالأشواك و الحفر والأحجار وسماسرة وقراصنة وقليل من الأخيار. أتغذى على غبار الصحراء وأشرب الندى مثل الصرار. تعب كل يوم وشيء من الخوف والجوع. تخطيت حدودا وحدودا إلى أن دخلت بلاد المملكة المغربية. مخيمات صنعت من نفايا سكان المدينة في عمق غابة كثيفة الأشجار. نساء ورجال وأطفال في عزلة عن العالم، طعامهم من سؤال وشرابهم من احتقار. صورة قاتمة ، فيها بؤس و وبصيص أمل، تلك التي أخذتها عن عاصمة الشرق المغربي. سمعت أن السفر في هذه البلاد بالنسبة لنا نحن السود لا يتأتى إلا مشيا على الأقدام التي تحولت لدي إلى حوافر مثل الدواب من كثرة المشي و الترحال. سمعت أن السلطات أعطت أوامرها لأرباب سيارات الأجرة والحافلات ومكتب السكك الحديدية وكل شخص يتحرك في مركبته أن لا يقل معه أحدا ممن يحمل بشرة سوداء. يا لها من أخوة إفريقية؟؟
كان لي حظ كبير حين وجدت احدهم قبِل أن يأخذني معه في اتجاه الشمال، تمتعت بركوب السيارة و ملأت عيني بالنظر إلى شوارع المدينة الكبيرة. هناك بالقرب من بوابة الشرق الجوية أوقف الدرك الملكي السيارة التي كنت جالسا في مقعدها الخلفي. ترك الدركيان سيارة أجرة كانت واقفة في الجانب الآخر من الطريق بسبب مخالفة، وأسرعوا في اتجاهي كأنهم اكتشفوا كائنا من كوكب أخر. فتحوا باب السيارة بقوة ونظروا إلي في غضب  يسألون عن بلدي باللغة الفرنسية: ’’ من أي بلد أنت؟ ’’ De quel pays êtes-vous?  كان جوابي ’’ من تراب الجنوب’’ ساقوني كالبهيمة في اتجاه الشرق والقوا بي في الحدود. كررت المحاولة لكن هذه المرة مشيا على الأقدام متتبعا خط الكهرباء الذي سيوصلني إلى مدينة مليلية كما نصح لي بعض الناس. كانت الرحلة شاقة وهاجس رجال الأمن يطاردني طوال الرحلة. لا حظ لي إلا التواجد في الخلاء مثل وحش بري. تراءى  لي من بعيد دخان كثيف يتصاعد إلى السماء، اكتشفت عبر أنفي أنها محرقة القمامة. أغنام وبقر ترعى بين أكوام النفايات كما رأيت رجالا و أطفالا منهم من يجمع ومنهم من يفرز المواد عن بعضها كي يجمعوها في أكياس قصد تسويقها. حز في قلبي سرب طيور مهاجرة مثلي حطت على ركام المزبلة الكبيرة، كم منها ستجرح بسبب أجسام حادة وأخرى تقضي بعد تناول مواد سامة. وصلت إلى أقصى الشمال لأستقي خبر سمكة ضخمة تجرأت على ولوج البحر الصغير، تستعرض هيبتها وجمالها أمام سكان المدينة الكبيرة الذين رشقوها بالأحجار و الزجاج، قبل أن تلقى حتفها مشنوقة في حبال الصيد التي يعج بها البحر الصغير في عشوائية من العصر الوسيط.
في غابة محاذية لمدينة مليلية دخلت مخيما مثل الذي مررت به في وجدة. البؤس والجوع و العطش والخوف والبرد تسكن المكان. قيل لي أنهم يقومون من حين لآخر بمسيرات بيضاء في اتجاه الجدار العازل الذي يفصل الجنة عن النار. قررت أن أستريح قليلا قبل أن أشارك في الزحف من اجل الخبز والحرية والأمان. ذات ليلة ظلماء قتل البعض قبل أن يصلوا الجدار، برصاص كما يتم قنص الخنازير في الجبال. تركت شيء من جلدي وقطرات من دمي عالقة بالجدار قبل أن يسألني الاسباني: ’’ وِنْتَ مِنْ وايْنْ’’                                                                                                                 de qué país vienes?
 أجبته: ’’ أنا ابن العالم غير شرعي’’
****** 
قناة ’’مراكش تايمز على اليوتوب ’’ يتوب على اليوتوب
         ****
        موقع ’’ عرب تايمز الأمريكي ’’ صفحة. ذ. محمد كوحلال
        ****
        الموقع العراقي’’ الحوار المتمدن ’’ صفحة. ذ. محمد كوحلال
       *****   
                 ’’مراكش تايمز’’marrakehchtimes 
 منبر لمن لا منبر له, و صوت لمن لا صوت له
 و ظل لمن لا ظل له, موقع الدراويش
لمن يرغب في الاتصال ذ . محمد كوحلال
    البريد 

No comments:

Post a Comment