Saturday, July 16, 2016

تركيا ، سقوط الأصنام .

خاص: بانوراما الشرق الأوسط
أحمد الحباسى
لا يهم إن نجح الانقلاب في تركيا أو لم ينجح ، فلا أحد اليوم يؤمن بعصر الانقلابات أو يؤيدها ، لكن ما حدث في تركيا منذ ساعات مهم و يستحق التعليق أولا لان العسكر يمثلون قوة أساسية ضاربة في عيون المجتمع التركي و هم يمثلون في حد ذاتهم دولة داخل الدولة ، و رغم أن رئيس تركيا الحالي قد حاول منذ صعود حزب الإخوان الحاكم إلى السلطة قصقصة أجنحة المؤسسة العسكرية سواء بمحاكمات صورية تخلص بمقتضاها من كبار “الرؤوس” أو بنقل في الخطط لإبعاد بعض القيادات الغير المرغوب فيها عن بعض المواقع العسكرية الحساسة فان هذه المؤسسة العريقة لم تغفر لرجب أوردغان و لا لرئيس الحكومة السابق داوود أوغلو و لا لعبد الله قول الرجل الثاني في نظام الإخوان الحاكم و بقيت الخطر الماثل الأكبر في وجه الطموحات المجنونة لرئيس الدولة الذي مرغ كرامة هذه المؤسسة في التراب خاصة بعد اعتداء الصهاينة على سفينة ” مرمرة” التركية وقتل عدد من ركابها و طاقمها في حادثة شكلت قمة الإهانة للراية التركية و لحكم الإخوان .

لن أناقش ما حدث أمس و لن أتسرع في الحكم أو إظهار مشاعر الفرح بما حدث من باب التشفي في هذه القيادة التركية العميلة للصهاينة لكن من الثابت أن ما حدث قد هز أهم العواصم الإقليمية و الدولية نظرا لأهمية تركيا في معادلة الصراع المحتدم بين قوى المقاومة العربية و على رأسهم سوريا و بين قوى الشر الطامحة في بث مشروع الفوضى الخلاقة لتقسيم و تفتيت الدول العربية المناهضة للوجود الصهيوني الأمريكي في المنطقة ، ما يهم في الانقلاب و تداعياته أنه مثل صدمة و إعلان فشل دموي لمشروع الإخوان الرامي لنشر الإسلام السياسي في المنطقة العربية ، ثانيا و نظرا لثقل وزن المؤسسة العسكرية يعتبر هذا الانقلاب كشف حساب واضح لهذا الفشل التركي المعلن و أكثر حالات التعبير العلنية بأن مشروع حزب العدالة و التنمية هو مجرد وهم لم يحقق لتركيا و للشعب التركي إلا كثير من المصائب و المشاكل إضافة إلى حالة من القلق القصوى حول نهاية المشكلة السورية التي عمقت الأزمة الاقتصادية التركية و جعلت الأنموذج التركي ينهار في عيون بعض الذين حلموا بمستقبل واعد في ظل حكم حزب العدالة و التنمية الفاسد.
طبعا ، سقطت الأصنام في تركيا ليلة أمس بلا رجعة و سقطت خرافة الثالوث رجب طيب أوردغان و داوود أوغلو و عبد الله قول و بالذات رواية ” الأنموذج التركي ” و ما سمي بنظرية ” الصفر مشاكل ” مع الجوار إلى غير ذلك من الشعارات التي ألهبت حماس أغلبية الشعب التركي و لم يستيقظ منها إلا على وقع المظاهرات في ساحة تسليم و التفجيرات الدموية العنيفة التي اجتاحت كامل التراب التركي و أخرها في مطار أتاتورك بما يمثله من رمزية ثم بخاتمتها بانقلاب عسكري زاد من تقسيم الشعب التركي و لا شك أن النظام بفاشيته و عنفه المعهود سيستغله لتصفية كل خصومه العسكريين و السياسيين لتسيل الدماء و يزداد الوضع الاقتصادي ترهلا فضلا عن أن النظام سوف يجد فيما حدث الفرصة مواتية للتضييق على الحريات و الزج بالآلاف في السجون تماما كما حدث بعد مظاهرات ساحة ” تسليم ” و ما تبعها من مظاهرات عنيفة رافضة لحكم الإخوان، انتهت عبادة الأصنام الثلاثة بكارثة دموية خطيرة توقعتها وسائل الإعلام العالمية منذ فترة و بالذات منذ قيام الجماعات الإرهابية التي رعتها المخابرات التركية لضرب النظام السوري بضرب المصالح التركية للتأكيد على أن الإرهاب نار تحرق الجميع .
واقع النظام التركي اليوم لا يبشر بالخير فالأعداء الكثيرون داخليا و خارجيا ينتظرون لحظة سقوط الأصنام الثلاثة بفارغ الصبر ، أعداء صنعهم الصلف و التدخل التركي في شؤون الدول المجاورة و زاد تدهور الوضع الاقتصادي و سقوط مشروع “الانتماء” للنادي المسيحي و استمرار الأزمة السورية التي أكدت فشل السياسة الإستراتيجية التركية الخارجية في كل المجالات في تعميق الهوة بين النظام و الشعب، و لا يخفى المتابعون للشأن التركي أن النظام قد بات يشعر بالخوف من احتمال تأثر الشعب بالاضطرابات التي تشهدها الحدود مع دول الجوار خاصة في ظل تدهور خطير للعلاقات المتأزمة بين الحكومة التركية و حزب العمال الكردستاني بعد أشهر من الهدنة الحذرة مما يعطى الانطباع أن نظام الحكم قد عجز عن مواجهة هذه الهجمات الإرهابية التي تكون السيارات المفخخة أحد أدواتها المدمرة المرعبة و هذا ما أدى إلى انخفاض ملموس في الميدان السياحي بشكل غير مسبوق ، يضاف إلى أن ما حصل سواء على مستوى تفجير مطار أتاتورك أو حصول الانقلاب منذ ساعات قد جاء ليؤكد للمتابعين فشل المخابرات التركية الصهيونية الأمريكية في توقع المحظور مما سيدفع رئيس الدولة إلى التخلص من صديقه المقرب رئيس الجهاز الأكثر دموية في التاريخ التركي و إجراء تغييرات تشمل كبار القيادات في المخابرات التركية و المخابرات العسكرية .
تدرك السعودية اليوم أن “هروبها” إلى الحضن التركي لخلق مثلث سني يتكون من مصر و تركيا و السعودية في مواجهة المحور الثلاثي للمقاومة المتكون من سوريا ، حزب الله ، إيران قد فشل فشلا ذريعا ، و تدرك القيادة التركية المنهكة اليوم فشل سعيها المسعور لقيادة المنطقة العربية و تسويقها للأنموذج التركي كصناعة محلية تركية قادرة على حل مشاكل الشعوب العربية ، و من قراءته للتصريحات الأخيرة يدرك رجب أوردغان أن الدول الغربية بما فيها الإدارة الأمريكية و إسرائيل لم تندد صراحة بعملية الانقلاب و جاءت ردودها فاترة جدا رغم أهمية الدور التركي في المنطقة مما يؤكد للجميع أن هذا الدور قد بدأ في الانحسار و الذوبان تحت ضغط مصالح و تفاهم الكبار ، و لعل أوردغان قد تنبه لهذا التغيير و قبل تجرع السم و تقديم تنازلات مؤلمة بمسارعته لمد يده من جديد للعدو الصهيوني و للجانب الروسي حتى لا يخسر ما تبقى من ماء الوجه و من الحماية الصهيونية للنظام ، لكن من الواضح أن عملية الانقلاب قد أصابت المشروع التركي في المنطقة في مقتل بحيث ستكون القيادة التركية مضطرة لمدة طويلة لإعادة إصلاح البيت الداخلي و التخلي النهائي عن أحلام الزعامة و بث الفوضى و المشاركات في مؤامرات ارتدت عليها بالدماء في عموم المناطق التركية .
لقد قيل الكثير في التجربة التركية بحيث أنساق البعض وراء عبادة الأصنام الثلاثة إلى أن جاء الانقلاب الأخير ليستفيق هؤلاء الحالمون بهذه التجربة على وقع مرارة الإخفاق العسير فنتائج الانقلاب ستكون كارثة على الجميع لان تركيا ستتحول إلى سجن كبير تحاكم فيه المعارضة بما فيها المؤسسة العسكرية من طرف نظام فاشي ديكتاتوري بغيض لا يؤمن إلا بمشروع الخلافة و لعل إيقاف هذا الكم الهائل من كبار الضباط هو بداية الفوضى الاجتماعية داخل تركيا لأنه لا يمكن “ذبح” هذه المؤسسة التي أسسها كمال أتاتورك كما تذبح خرفان العيد و دون أن تلطخ ثياب حزب العدالة بدمائها الحارقة ، اليوم يسقط شعار رجب أوردغان : “تركيا شعب واحد ، علم واحد ، دولة واحدة ” ، فالشعب منقسم إلى عدة اتجاهات و العلم التركي لم يعد يجمع الجميع و الدولة الواحدة قد أصبحت تتعرض إلى ضربات من كل الأطراف الإقليمية و تركيا العلمانية الاتاتوركية قد تحولت إلى فسيفساء و خليط من المشاكل المستعصية التي تؤكد فشل مشروع الإسلام السياسي الذي اعتبره البعض الحل فبات يمثل المشكل الأهم في التاريخ التركي المعاصر ، و لعل الجميع اليوم في انتظار عملية قيصرية مؤلمة تشبه ما حدث في المؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسية حين تخلت عن مشروعها القديم لفائدة مشروع فصل السياسة عن الدين ، على كل حال سقطت الأصنام الثلاثة ، رجب و أحمد و عبد الله ، و سقط حلمهم القذر في الصلاة في المسجد الأموي . .

No comments:

Post a Comment