Friday, January 22, 2016

تونس تشتعل.. فمن يطفئ النار؟

في ظل الاضطرابات الشعبية التي أدت إلى مقتل عشرات المتظاهرين وعودة الهاجس الأمني لدى بلدان المنطقة المتوسطية
المحور اليومي 
قررت الرئاسة الفرنسية، أمس الجمعة، تخصيص مساعدات عاجلة لتونس بقيمة مليار يورو على خمس سنوات وذلك بهدف دعم استقرار هذا البلد الجار، الذي يشهد اضطرابات شعبية عنيفة بفعل تفشي الفقر والبطالة في وسط غالبية الشباب.
تعتبر موجة الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها تونس بمثابة الأسوأ منذ الإطاحة الشعبية بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011، حيث توسعت لتشمل أغلب المدن التونسية لتؤدي إلى مقتل شرطي وإصابة العشرات من المتظاهرين. وتطرح هذه التطورات السريعة للوضع الداخلي في تونس عدة تساؤلات تتعلق بما يحدث بداخل الجارين الشرقي (ليبيا) والغربي (الجزائر) لهذا البلد ومدى تأثير سياسة التقشف التي أعلنتها حكومة سلال بفعل انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، واستمرار المد الداعشي على ليبيا قادما من سوريا واستحواذه على منطقة الهلال النفطي في ليبيا ومدى تأثير هذا الوضع الأمني الخطير على تشديد الخناق الأمني على تونس.
وفي هذا الإطار، يمكن التأكيد الفعلي بأن الضربة الموجعة التي ألحقتها أسعار النفط المتردية على الاقتصاد الجزائري والتي كانت السبب المباشر في إقرار حكومة سلال لسياسة التقشف في قانون المالية الجديد 2016، قد لعبت دورا كبيرا في تشديد الخناق المالي على الجارة تونس، التي استفادت في السنوات الأخيرة من مساعدات مالية معتبرة من الجزائر، كان أبرزها توقيع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 14 سبتمبر2014 الفارط على مرسوم رئاسي يقضي بتقديم مساعدات مالية تصل قيمتها 200 مليون دولار للجارة تونس بهدف مساعدة الأشقاء للنهوض باقتصادهم الذي يرتكز في الأساس على السياحة بالدرجة الأولى، ناهيك عن تشجيع الحكومة الجزائرية مواطنيها على السياحة في تونس بهدف إنعاش اقتصاد البلد الجار . وكل هذه المتغيرات تؤكد أن المساعدات المالية التي قدمتها الجزائر لتونس قد لعبت دورا كبيرا في استقرار هذا البلد خلال الأربع سنوات الأخيرة، وإلا كيف يمكن تفسير تزامن هذه الاحتجاجات الشعبية مع حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها الجزائر وما نتج عنها من سياسة تقشف فرضت على الجزائريين الذين سوف لن يتمكنوا بطبيعة الأمر من الذهاب لتونس بهدف السياحة كما اعتادوا، خلال فترة البحبوحة المالية التي شهدتها الجزائر منذ أزيد من عشرية من الزمن.  وهذا ما يفسر التحرك الفرنسي العاجل لتقديم مساعدات مالية بقيمة مليار يورو، حيث أن الفرنسيين يدركون جيدا عجز الجزائريين عن تقديم مساعدات مالية في الوقت الراهن لأن وضعهم الاقتصادي الحالي لا يسمح بذلك. وفي هذا السياق، يندرج التحرك الفرنسي العاجل لمساعدة تونس، بهدف منع قيام الفوضى الأمنية في هذا البلد وما تشكله من خطورة على أمن شمال إفريقيا والاتحاد الأوروبي قاطبة، وخصوصا في ظل تمدد التنظيم الإرهابي المعروف باسم  داعش  في غرب ليبيا ومنطقة الهلال النفطي الليبي، حيث أشارت تقارير أمنية فرنسية مؤخرا أن الجماعات الإرهابية التابعة لهذا التنظيم، هي على مقربة ما يقل عن ساعة زمن بالسيارة من حدود تونس الشرقية، وهي تراقب عن كثب آخر التطورات الأمنية في هذا البلد، بهدف الاختراق الأمني والاستحواذ على مساحات شاسعة من هذا البلد في إطار تأسيس  دولة الخلافة الإسلامية من الشام إلى المغرب الأقصى ، بحسب ما يخطط له التنظيم الإرهابي. ومن هذا المنطلق، فإن إدراك الفرنسيين والأوروبيين للخطر المحدق بأمنهم القومي وخصوصا في ظل ذلك القرب الجغرافي لتونس من إيطاليا البلد العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي لا تبعد أهم جزرها  لامبيدوزا  سوى 20 دقيقة بالطائرة عن السواحل التونسية. فما سيحدث لو احتل التنظيم الإرهابي  داعش  وسط العاصمة التونسية؟ أكيد، ستحل الكارثة الكبرى على الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي، وهذا ما سيستدعي بلا شك تحركا أمنيا فعالا، خلال الأسابيع المقبلة ضد داعش في ليبيا بهدف منع تمدده نحو الأراضي التونسية في ظل الوضع الأمني الخطير الذي تشهده تونس. نعم، إن الوضع المتفجر في تونس من شأنه أن يلقي بظلاله الأمنية والاقتصادية على كافة المنطقة المتوسطية بفعل تنامي الخطر الإرهابي الوشيك على المنطقة التي هي مضطرة للتحرك المالي والعسكري لضبط الأوضاع في تونس التي تشرف على الانفجار الداخلي.
محمد أنيس 

No comments:

Post a Comment