Friday, August 22, 2014

يسألونك عن الإخوان المسلمين

مشاركة فيسبوكية 
مقدمة
1- كل المصريين يعرفون السيد البدوى وابراهيم الدسوقى وأبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى .. الخ ، ومعظم المصريين يعتبرونهم أولياء مقدسين.
الذي لا يعرفه معظم المصريين ان السيد البدوى ورفاقه كانوا في الحقيقة زعماء لتنظيم سرى لقلب نظام الحكم في مصر منذ سبعة قرون ، وقد امتد هذا التنظيم من مكة إلى العراق والمغرب واتخذ قاعدته في مصر، واعتمد هذا التنظيم سياسة النفس الطويل في تربية الاتباع واعداد القادة ، وبعد قرن تقريبا كان البدوى والرفاعى والدسوقى والشاذلى والمرسى هم قادة المرحلة الأخيرة من التنظيم، فلما فشلوا في قلب نظام الحكم بقوا حتى الآن في العقيدة لمصرية كبار الأولياء الصوفية المقدسين حسبما كانوا يقدمون أنفسهم للناس.
الذي لا يعرفه معظم المصريين ان كلا منهم كان له اسمه الحقيقى المختلف عن اسمه الحركى ، وكانت لهم شفرة للاتصالات ، وعندما فشلوا في اقامة دولتهم انتقموا من الدولة المملوكية القائمة باحراق كل الكنائس المصرية ـ ما عدا الكنيسة المعلقة ـ في وقت واحد من الاسكندرية إلى القاهرة إلى اسوان ، وبطريقة واحدة .
2- هذا ما أثبته في كتابى “السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ” الصادر سنة 1982 ، وقد نبهت في خاتمة الكتاب على التشابه بين حركة الإخوان المسلمين وتلك الحركة التى قامت منذ سبعة قرون وفشلت سياسيا ولكن لا تزال آثارها الدينية قائمة ، ودعوت إلى اصلاح الفكر الدينى للمسلمين ومناقشة التراث حتى لا يؤمن به الشباب وتسيل الدماء. كالعادة لم يلتفت أحد لتحذيرى وبعد عشر سنوات تقريبا من صدور الكتاب والضجة التى صاحبته دخلت مصر في مواجهة بين الارهابيين والأمن لا تزال مستمرة.
أثناء حركة البدوى كان العالم الإسلامى يرزح تحت حكم عسكرى ويواجه الاستعمار الصليبى ، والمسيحيون ضحية الصراع الدينى المسلم الصليبى. والعرب المسلمون يحلمون بدولة عربية اسلامية قوية بدلا من الحكام المتفرقين . هى نفس الظروف تقريبا التى نعيشها الآن والتى أدت إلى نشأة الإخوان المسلمين . حركة السيد البدوى اعتمدت على النفس الطويل في التربية والاعداد الثقافي والدينى ونشر التنظيمات السرية والعلنية، وكذلك يفعل الإخوان المسلمون الآن.
هذا التشابه بين الإخوان وحركة البدوى يؤكد أن الإخوان ليسوا مجرد تنظيم سياسى بل هم ثقافة دينية يجرى اعداد المجتمع على مهل للايمان بها وللتضحية في سبيلها باسم الإسلام وبها يتم تقسيم الوطن والعالم كله إلى معسكرين معسكر الإسلام ومعسكر الكفر لتتحول الحرب المحلية إلى حرب عالمية بدأنا نحس بها الآن بعد الحادى عشر من سبتمبر .
3 ـ الكتابات عن الإخوان لا تغوص في الجذور التاريخية والاصولية. وهذا ما نحول تقديمة في ايجاز في هذه المداخلة.
سأضع الموضوع على شكل سؤال وجواب ليكون أكثر تبسيطا.
1) هل الأخوان المسلمون يمثلون الإسلام؟
بالقطع لا. الإسلام دين ، أى نظرية ومبادئ، وأوامر ونواهى تشمل العقائد والسلوكيات. الإخوان المسلمون في عقائدهم وسلوكياتهم يتناقضون مع دين الإسلام . أبسط تناقضهم مع الإسلام أن القرآن الكريم يؤكد ان من يستغل الدين لمطامع دنيوية فهو عدو لله تعالى.
أى أنهم أعداء الله حين يستخدمون الإسلام مطية للوصول للحكم.
2) هل الإخوان المسلمون يمثلون المسلمين؟
بالقطع لا. المسلمون الآن ثلاث طوائف كبرى: سنة وشيعة وصوفية. بالاضافة إلى طوائف صغرى كثيرة كالقرآنيين والاباضية والبهائية والمعتزلة. ينتمى الإخوان المسلمون إلى طائفة السنة، وهى أكثر المسلمين تعصبا.
3) هل يمثل الإخوان المسلمون كل الطائفة السنية؟
بالقطع لا . السنيون أربعة مذاهب مشهورة : الأحناف ، المالكية ، الشافعية ، ثم الحنابلة.
الحنابلة هم اشد المذاهب السنية تعصبا. ينتمى الإخوان المسلمون إلى المذهب الحنبلى.
4) هل يمثل الإخوان المسلمون كل الحنابلة السنيين؟
لا . الحنابلة مدارس متنوعة . اكثرهم تشددا مدرسة ابن تيمية. وينتمى الإخوان إلى مدرسة ابن تيمية.
5) هل يمثل الإخوان المسلمون مدرسة ابن تيمية؟
لا. مدرسة ابن تيمية فيها تيارات مختلفة، وأشدها تعصبا الوهابية. والدولة السعودية الراهنة التي أنشأها عبد العزيز آل سعود هي التي أنشأت تنظيم الإخوان المسلمين في مصر على يد الشيخ رشيد رضا وصديقه الشيخ محب الدين الخطيب وتلميذهما المصرى الشاب حسن البنا سنة 1928.
6) اذن الإخوان ينتمون إلى الوهابية وهى أقلية دينية، فلماذا اكتسبوا كل ذلك النفوذ؟
بسبب الدولة السعودية التى أنشأت حركة الإخوان المسلمين ، وبتعاونهما معا في ظل ظروف إقليمية ودولية مواتية اقتنع العالم بأنهم الممثلون للاسلام مع التناقض بين ثقافتهم الدينية وبين الإسلام.
7) كيف أنشأ السعوديون الوهابيون حركة الإخوان المسلمين؟
عبد العزيز آل سعود هو المنشئ للدولة السعودية الثالثة الراهنة فيما بين 1902ـ 1932 بعد استيلائه على الرياض سنة 1902 قام بتجميع شباب البدو وتعليمهم الوهابية وتلقينهم أن الجهاد هو تكفير الآخرين وغزوهم واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم واحتلال أرضهم ، وان كل من ليس وهابيا من المسلمين فهو مشرك ، وكل يهودي ونصراني فهو كافر، ولا بد من جهاد الجميع. هؤلاء البدو الوهابيون اشتهروا باسم “الإخوان” وكان اسمهم يرعب الجميع في الجزيرة العربية والشام والعراق بسبب المذابح التى اعتادوا ارتكابها. وبهم استطاع عبد العزيز توسيع ملكه فضم معظم الجزيرة العربية وهزم اليمن وخرب جنوب العراق والأردن واستولى على الحجاز سنة 1926.
أراد الإخوان السعوديون الوهابيون بقيادة زعمائهم فيصل الدويش وابن بجاد وابن حيثيلين استمرار غزو العراق ولكن بريطانيا حذرت عبد العزيز وهددته أن لم يكف الإخوان عن الهجوم على العراق، وبنى البريطانيون حصوناً على الحدود لتحمى العراق من هجمات الإخوان. اعتبر الإخوان بناء تلك الحصون الدفاعية في الاراضى العراقية مانعاً لهم من استمرار الجهاد وطالبوا عبد العزيز بالتحرك معهم ضدها فرفض خوفا من البريطانيين، فاتهمه الإخوان بموالاة الكفار ” الأنجليز “.
كان عبد العزيز قد ضم اليه الحجاز بسيوف الإخوان ومذابحهم، وسيطر على موسم الحج والحجاج، فانتهزها فرصة لتكوين تنظيمات اخوانية خارج الجزيرة العربية عوضا عن الإخوان البدو المشاغبين ، ولينشر الوهابية في بلاد المسلمين مع التركيز على مصر والهند. وعن طريقه تحولت الجمعية الشرعية في مصر إلى الوهابية بدلا عن التصوف، وأنشئت حركة الشبان المسلمين كتنظيم شبه عسكرى نبغ فيه حسن البنا، ثم جماعة أنصار السنة وهى حركة وهابية خالصة يقودها الشيخ الأزهرى حامد الفقي صديق عبد العزيز آل سعود. وفي النهاية أنشئت حركة الإخوان المسلمين بديلا عن إخوان عبدالعزيز وتحمل أسمهم. وكان هدفها المعلن هو التربية الإسلامية ، وهدفها المستتر هو الوصول للحكم لاقامة دولة وهابية. إقامة تلك الجمعيات الوهابية في مصر قام بها اثنان من الشوام هما رشيد رضا ومحب الدين الخطيب.
8) هذا عن الإخوان المسلمين في مصر. فماذا حدث للاخوان البدو الوهابيين في الجزيرة العربية مع عبد العزيز؟
ثاروا عليه وحاربوه وانتصر عليهم في معركة السبلة سنة 1929 ، وبعدها وفي سنة 1932 اعطى دولته الجديدة اسم أسرته فأصبحت تسمى المملكة العربية السعودية.
9) كيف سارت العلاقات بين الإخوان المسلمين والسعودية؟
عن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان في العمران المصري من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع إنشاء الجهاز السرى العسكرى إلى جانب التنظيم الدولى للإخوان ، وكان من أعمدته الفضيل الورتلاني الجزائرى المساعد الغامض لحسن البنا، وهو الذي فجر ثورة الميثاق في اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة في قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية، ورفضت استقبال الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى في سفينة في البحر مع الذهب الذي سرقه من اليمن ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره في اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان المسلمين تهريبه في أحد موانى لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثانى في قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها في القاهرة سنة 1955 وكان بن بيلا في ذيل القائمة.
واكتشفت الحكومة المصرية ـ بعد ما حدث في ثورة اليمن سنة 1948ـ خطورة حسن البنا وتنظيمه السرى والدولى وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة في اليمن بالريموت كنترول. وبالصدفة وقعت في ايديهم الوثائق السرية للاخوان المسلمين فيما يعرف بقضية العربة الجيب التى أظهرت الجانب الارهابى السرى للاخوان مما سهل القضاء على حسن البنا سياسيا وجسديا سنة 1948.
ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة والخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وهروب معظمهم إلى السعودية وخدمتهم للوهابية ونشرها في العالم الإسلامى. ثم تحالف السادات مع الإخوان، فعادوا للسيطرة على أجهزة الدولة المصرية في التعليم والثقافة والحياة الدينية والأزهر والمساجد والإعلام تعززهم ثورة السعودية النفطية وسيطرتها الاعلامية والتليفزيونية ، وأفرزوا تنظيمات مختلفة على نسق التنظيم العسكرى في عهد حسن البنا كان أهمها الجهاد والجماعة الإسلامية. ثم اختلفوا مع السادات، وقتلوه، واستمرت سيطرتهم في عصر مبارك الذي آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع تدعيم النفوذ السعودى والفكرالإخوانى الوهابى وتقديمه على أنه الإسلام.
10) ماذا قدم الإخوان للوهابية والسعودية؟
عن طريق الإخوان المسلمين المصريين انتقلت الوهابية والنفوذ السعودي إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام شرقا وإلى الجاليات الإسلامية في الغرب وأمريكا. كما استطاع الإخوان تقديم الفكر الوهابى للمثقفين المسلمين والطبقة الوسطى في اسلوب عصرى مفهوم يختلف عن اسلوب محمد بن عبدالوهاب الفقهي الاصولى الجاف. ثم صاغوا الوهابية في شعارات سياسية مقبولة لجماهير المسلمين مثل الإسلام هو الحل وتطبيق الشريعة، دون الدخول في تفصيلات. أهم من ذلك كله ان الإخوان المسلمين أجهضوا المشروع الإصلاحى التنويرى للشيخ محمد عبده لصالح الهدف السياسي وهو الحكم الإسلامى – في الظاهر – والوهابى في الواقع. وبذلك استطاعوا تغيير المناخ لصالحهم فأصبح أكثر تطرفا وتعصبا ضد الغرب والمسيحيين واليهود والمرأة. الدليل على ذلك ان ما كان محمد عبده يقوله منذ قرن من الزمان في دعوته الاصلاحية أصبح هرطقة وكفرا في عصرنا الحالى يستوجب القتل.
11) ما الذي سبب الوقيعة بين الإخوان والدولة السعودية مع اتفاقهما في العقيدة الوهابية؟
منذ البداية رفض عبد العزيز منشىء الدولة السعودية الراهنة ومنشىء الإخوان المسلمين ان تعمل حركة الإخوان داخل بلاده محددا عملها في الخارج فقط. ولكن أدى تطور الأحداث إلى هروب معظم الإخوان إلى السعودية هربا من اضطهاد عبد الناصر يحملون معهم تربيتهم السياسية القائمة على النفاق وسياسة الوجهين والتقية. تلك هى خلفيتهم الثقافية التى أرساها حسن البنا طبقا لظروف الإخوان في مصر والمخالفة للطبيعة البدوية في الجزيرة العربية والتى ظهرت فيها الدولة السعودية. ومن الاختلاف حدث الاحتكاك وأدى إلى نمو المعارضة الوهابية داخل المملكة وضد الاسرة السعودية. الإخوان بفكرهم المتطور ساعدوا في ولادة المعارضة السعودية، فأخذ النظام السعودى وشيوخه الرسميون يهاجمون سيد قطب وجماعته والإخوان، يبينما تمتدحهم المعارضة الاصولية الوهابية.
11) ما هى نقطة الخلاف بين الإخوان والسعوديين؟
ظروف نشأة الدعوة الوهابية والدولة السعودية تختلف عن ظروف نشأة الإخوان المسلمين تبعا لاختلاف مصر عن نجد. الإخوان النجديون الصحرايون لهم وجه واحد يتميز بالصراحة والجرأة واستباحة الدم علنا. وهذا ما كان مستحيلا على حسن البنا الجهر به ، لذا اتبع سياسة المداهنة وادعاء الاعتدال .عندما ظهر حسن البنا في مصر بدعوته كانت أغلبية المسلمين المصريين بزعامة الأزهر صوفية يمقتون الوهابية. تسلل حسن البنا إلى المجتمع المصرى المسلم المتدين بفكرة تجميع المسلمين حول هدف واحد هو الحكم الإسلامى مع نبذ الخلافات المذهبية وتأجيلها، وعاونه في فكرته سقوط الخلافة العثمانية وحنين المسلمين إلى استعادتها في ثوب عربى أصيل.
واستغل الليبرالية المصرية وافتقارها إلى العدل الاجتماعى بأن تسلل للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى وأوساط الأفندية المتعلمين الحالمين بالعدل والساخطين على التفاوت الطبقلى فاجتذبهم إلى فكرة الحل الإسلامى بديلا عن العلمانية الشيوعية والغربية. كان يتحدث لكل فريق باللغة التى يؤثرها متبعا طريق التقية الشيعية ، وكان يرفع لواء التسامح والاعتدال محتفظا في نفس الوقت بتنظيمه السرى المسلح ليتخلص من خصومه فاذا افتضح امر بعضهم تبرأ منهم على الملأ قائلا : “ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين”. هذا ما تربى عليه الإخوان على يد حسن البنا طيلة عشرين عاما {1928 ـ 1948 }. وبهذا الفكر تسللوا إلى الأحزاب السياسية المعلنة والتنظيمات الشيوعية السرية وخلايا الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب 1952 . وكان لا بد ان يحدث الاصطدام بينهم وبين عبد الناصر وهو الأعرف بهم حيث كان منهم يمارس نفس اللعبة. تغذى بهم عبد الناصر قبل ان يتعشوا به فهاجر معظمهم للسعودية التى كانت تواجه عبد الناصر ومشروعه القومى اليسارى.
في السعودية عملوا في خدمة الوهابية فاكتشفوا تسلط الأسرة السعودية وعنصريتها وفسادها. العادة في الدولة الدينية أن الحاكم يستمد سلطته السياسية من الفقيه. وهذا ما حدث في الاتفاق المشهور بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب. ابن عبد الوهاب الفقيه أعطى الشرعية الدينية لابن سعود أمير الدرعية ليغزو ويحتل ويحكم باسم الشرع. وبذلك أصبحت الوهابية هى مصدر الشرعية للسلطة السياسية للأسرة السعودية. وصارت أسرة الشيخ (ابن عبد الوهاب) تسير في ركاب الأسرة السعودية الحاكمة. الإخوان الوهابيون الذين ثاروا على سيدهم عبد العزيز قالوا ان مصدر السلطة هو الوهابية وليس الأسرة السعودية، لكنهم كانوا مجرد جنود غير مؤهلين للجدل الفقهى في مواجهة فقهاء عبد العزيز.
عبد العزيز في خلافه مع الإخوان الثائرين عليه حسم الموضوع بأن شرعيته في الحكم ليست مستمدة من الوهابية ولكن من حقه في استرداد ملك أسلافه الذين أقاموا الدولة السعودية الأولى والثانية . عبد العزيز بهذا أعلى أسرته السعودية على الدعوة الوهابية نفسها ثم أعطى الدولة اسم اسرته. برز هذا الاستعلاء الملكى السعودى أكثر بعد موت عبد العزيز ودخول مملكته عصر النفط وزعامة أسرته للعالم الإسلامى وتحالفها مع امريكا. تجلى هذا الاستعلاء في تعامل الدولة السعودية مع العرب الوافدين ومنهم الإخوان المسلمون، مما أعاد التفكير في الفجوة بين الحكم السعودى ومبادىء الوهابية التى ينبغى على الاسرة السعودية الانصياع لها. لم يكن الإخوان المسلمون وحدهم الذين يشعرون بالدونية داخل المملكة السعودية، شعر بها أيضا المتعلمون من أبناء المملكة الذين تخرجوا في جامعات الغرب ففوجئوا عند التوظيف انهم ليسوا من أهل الثقة مهما كان نبوغهم لأن الدرجات العليا مقصورة على الاسرة السعودية و تحالفاتها القبلية. تقارب الساخطون من الإخوان المسلمين ومن الشباب السعودى المثقف المتدين بالوهابية، ونشأ جيل جديد من الوهابيين السعوديين متأثر بسيد قطب وآرائه الحادة اكثر من تأثره بالفقهاء الرسميين في النظام السعودى.
هذا الجيل السعودى الوهابى أخذ التقية عن الإخوان المسلمين وتحرك في هدوء تحت السطح ، ومع تراكم الفساد والانحلال في الاسرة
السعودية وتحالفها مع امريكا أثمرالطرح الإخوانى تطورا في العقلية الوهابية لدى هذا الجيل فأخذ يهمهم بتكفير الحكام السعوديين طبقا للتكفير العام الذي نادى به سيد قطب. جاءت الفرصة لهم بالجهر بالمعارضة بعد احتلال صدام للكويت وصرخة الأسرة السعودية تستنجد بأمريكا لتنقذها من غزو صدام لتؤكد عدم أهليتها للحكم بعد عجزها عن حماية الشعب بعد كل ما أنفقته من بلايين في شراء السلاح بالملايين. تولدت المعارضة السعودية من رحم حرب الخليج متأثرة بالانفتاح على الإخوان.
هوجم الإخوان من شيوخ الوهابية الرسميين السعوديين، الا ان هؤلاء الشيوخ انفسهم تعلموا النفاق والتظاهر بالاعتدال في مدرسة الإخوان. يقابلون الغرب بالحديث عن سماحة الإسلام والتبرؤ من ابن لادن ثم يتحدثون عن استمرارية الجهاد بالمفهوم الوهابى.
12) هل يؤثر هذا الخلاف على العلاقة بين السعوديين والإخوان؟
لم يؤثر في الثقافة المتفق عليها بينهما وهى الوهابية. هما يعملان معا في نشر وتعميم الوهابية كممثل للإسلام .. يقدم الإخوان الفكر والخبرة البشرية ويقدم السعوديون النفوذ السياسي والامكانات غير المحدودة في السيطرة على القنوات الفضائية والصحف ودور النشر والانتاج الدرامى والثقافي والمساجد والمعاهد ومراكز البحوث والدعوة والتنظيمات العلنية والسرية والرسمية داخل وخارج العالم الإسلامى. وبجهدهما معا تم تغيير المناخ في معظم بلاد المسلمين ليكون اكثر ميلا للعنف والتعصب وكراهية الغرب وغير المسلم ورفض الاصلاح الدينى للمسلمين من داخل الإسلام ورفض الديمقراطية.
13) ما هى الاستراتيجية السياسية للإخوان؟
تتلخص في كلمة واحدة هى التربية الثقافية الدينية للفرد والمجتمع وصولا إلى اخضاعه للسمع والطاعة بدون مناقشة لولى الأمر وفق مبدأ الحاكمية الذي يؤمنون به كعقيدة دينية وسياسية. لو قيل للإخوان الآن تعالوا احكموا لرفضوا الحكم ، لأنه سيكون امتحانا يعرفون مقدما انهم سيخسرون فيه. في موقع الحكم سيكونون في متناول النقد والمعارضة ومطالبون بتنفيذ الوعود السياسية في كيف يكون الإسلام هو الحل وكيف يتم تطبيق الشريعة .هم ليسوا مؤهلين للحكم الديمقراطى اذ لا يعرفون الا الحاكمية التى تعنى أن يكون الحاكم مسئولا فقط أمام الله تعالى يوم القيامة باعتباره الراعى والشعب هو الرعية او الأغنام.
14) ولكن بعض الحركات الإسلامية السياسية وصلت للحكم وتركته وفق تبادل السلطة وقواعد الديمقراطية.. لماذا لا يكون الإخوان كذلك خصوصا وهم يعلنون رضاهم بالديمقراطية؟
الحركات السياسية الإسلامية التى تقبل الديمقراطية وتتعامل معها ايجابيا تنتمى إلى التدين الصوفي المنتشر في بلادها من تركيا إلى ماليزيا واندونيسيا وسنغافورة وبنجلاديش. قلنا ان المسلمين طواف ثلاث كبرى سنة وشيعة وصوفية. السنة أكثرهم تشددا والوهابية هم الأكثر من السنيين تشددا. الصوفية المسلمون اكثر مسالمة واكثر اعترافا بالتعددية ، بل إن التصوف يقوم على اساس التفرق إلى طرق صوفية تتفرع وتتفرع إلى طرق أكثر وأكثر. ولهذا فالديمقراطية واردة في تدين التصوف الذي يعترف بالتعددية ويتسامح مع المختلف في الدين.
15) ولكن الإخوان المسلمين يشجبون الأرهاب يعلنون تمسكهم بالديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق الأقباط وحرية الرأى والمعتقد وحقوق المرأة.
هى نفس سياسة النفاق التى كان يخدع حسن البنا بها المصريين في عهده.
16) كيف نتأكد انهم مخادعون؟ أو كيف نكشف توجهاتهم الحقيقية؟
بأن لا نكتفي بالسؤال، أى نحول السؤال إلى استجواب ونقاش علني أمام أعين الناس في الاعلام والتعليم والمساجد والمقاهى والنوادى والشوارع وعلى المصاطب ـ وحتى حفلات الزفاف ومناسبات العزاء.
يقولون انهم يؤمنون بحرية المعتقد .. فماذا لو ارتد مسلم عن دينه وأصبح مسيحياً أو يهودياً؟
هل يطبقون عليه حد الردة قتلاً، وحينئذ لا يخالفون الإسلام فقط بل يخالفون مبدأ حرية الفكر والعقيدة؟
أم يقررون فعلاً حرية كل أنسان في اختيار ما يشاء من دين والخروج عما يشاء من دين، وحريته حتى في الكفر والإلحاد وفقا لأكثر من خمسمائة أية قرآنية؟ واذا وقفوا مع حقائق الإسلام وحرية المعتقد فعليهم حينئذ اعلان كفرهم بالسنة والفقه السنى لتأكيدهما على قتل المرتد.
يقولون بأنهم ضد الارهاب. وتعريف الأرهاب هو قتل المدنيين المسالمين ، أو الاعتداء على من لم يقم بالاعتداء علينا. هذا جميل .. ولكن ماذا يقولون في الفتوحات العربية التى حملت اسم الإسلام زورا واعتدت على أمم لم تهاجم المسلمين؟ وماذا يقولون في الصحابة الذين ارتكبوا هذا الاثم الفظيع المخالف لشرع الله تعالى في القرآن؟ وماذا يقولون في الحديث الضال القائل “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. الخ؟ وهو الحديث المخالف لتشريع القرآن الكريم؟ وماذا يقولون في البخارى الذي رواه؟ وماذا يقولون في الأعمال الأرهابية التى ارتكبها الأخوان ومنظماتهم السرية والعلنية في الماضى؟ أليس الأجدر بهم الأعتذار عنها والاعلان بعدم العودة لها والتبرؤ ممن يرتكبها؟
يقولون انهم يؤمنون بالمساواة والعدل وحقوق المواطنة بلا تفرقة على أساس الدين والمذهب والمعتقد. فماذا يقولون عن معاملة أهل الذمة في تاريخ المسلمين وتراثهم، وماذا يقولون عن الأحاديث التى تدعو لتحقير أهل الكتاب وازدرائهم؟ وماذا يقولون عن التفسيرات المذهبية التى تسىء فهم معانى القرآن الكريم في هذا الاطار؟ اليس من الواجب عليهم اعلان التبرؤ من هذا الفقه السلفي وتجريمه واعلان عدائه لحقوق الانسان وحقائق الإسلام؟
ثم تصريحات مرشدهم الأسبق مصطفي مشهور عن منع المسيحيين من التجنيد وتطبيق أحكام أهل الذمة عليهم … ماذا يفعلون بها؟
ألا يجب عليهم التبرؤ منها ودحضها والاعتذار عنها؟ وماذا يقولون في ولاية غير المسلم؟ يعنى تولية مسيحى أو يهودى رئاسة الدولة؟
الفقه السلفي يمنع ذلك ولكن تجيزه الديمقراطيات الحديثة التى يعلن الإخوان توافقهم معها. اذا وافقوا الفقه، تناقضوا مع الإسلام والديمقراطية، واذا وافقوا الديمقراطية والإسلام فعليهم التبرؤ من الفقه السلفي وأحاديثه الكاذبة المتعصبة.
يقولون بحق المرأة ، فكيف يفعلون بالفقه السلفي الذي ينتمون له وهو ينتهك حقوق المرأة ويجعل النساء ناقصات عقل ودين ومادة للتشاؤم والتطير؟ وماذا يفعلون مع النص القرآنى القائل “واضربوهن” وما قاله الفقه السلفي في شرح وتقعيد ضرب الزوجة؟ وهل يقولون بولاية المرأة للقضاء والرئاسة للدولة كما يقول بعض المستنيرين من الفقهاء؟ واذا أيدوهم فلا بد من التبرؤ من أعيان الأئمة المتعصبين من الحنابلة ..
ماذا يقولون في تطبيق حد السرقة وحد الحرابة؟ ماذا يقولون في عقوبة الاعدام خارج القصاص في القتل مثل حد الرجم الذي ينفذ في السعودية وايران وقتل الشواذ (وهذا ما حكمت به ايران وتخشى السعودية تطبيقه خوفا من قتل معظم السكان) وقتل تارك الصلاة طبقا للفقه السنى، وعقوبة شرب الخمر؟ وماذا يقولون في قتل المخالف للسلطان وحق الراعى في قتل من يشاء من الرعية .. إلى آخر تلك المنكرات المخالفة للقرآن والإسلام؟
اذا أعلنوا تبرأهم من كل هذا التراث وأحاديثه والسنة التى تدعمه وتلصقه زورا بالإسلام فعليهم أيضا التبرؤ مما كتبه شيخهم سيد سابق في كتابه المشهور ” فقه السنة” وهو الكتاب الذي كتب مقدمته حسن البنا ، وهو التشريع الحقيقى للإخوان وهو الذي يجيز قتل الزنديق ، والزنديق عندهم هو المسلم السنى العارف بدينه ولكن يخالف الحنابلة في آرائهم. يقولون بوجوب قتله دون محاكمة أو استجواب أو نقاش ، يقتلونه حال العثور عليه. هذا ما قاله ابن تيمية وسيد سابق والشيخ ابو بكر الجزائرى ، والمكتوب في مناهج الأزهر أضل سبيلا. فاذا كان الإخوان مخلصين في توجههم الديمقراطى ـ أى في تمسكهم بحقائق الإسلام ـ فلا بد من التبرؤ من كل تلك المؤسسات وأولئك الأئمة وكل ذلك التراث الحنبلى السنى وكل من طبقه ودعا اليه. ولا بد لهم بالتالى من الاحتكام للقرآن الكريم واعادة قراءته من جديد قراءة عصرية موضوعية.
اذا فعلوا ذلك ـ وهم لن يفعلوه ـ فسيكتشفون أن الأولوية ليست للوصول للحكم ولكن لاصلاح المسلمين بالإسلام. سيرفضون بالقطع ليس فقط لأنهم طلاب سلطة وليسوا طلاب اصلاح ، وليس فقط لأنهم لا علم لهم بالإسلام وتاريخ المسلمين وطوائفهم ومعتقداتهم الواقعية وتراثهم واختلافه عن الإسلام. سيرفضون لكل تلك الاسباب ولسبب آخر أهم هو أنهم لن يرضوا مطلقا أن يكونوا تابعين للقرآنيين وشيخهم كاتب هذا المقال.
أرجوا أن يوافقوا على التوبة وتغيير جلدهم والوقوف بحسم مع الديمقراطية وثقافتها الإسلامية ومواثيقها الدولية. حينئذ سأكون معهم في نفس الطريق ومعنا كل مسلم حريص على دينه. عندها سيقدم الإخوان أكبر خدمة للاسلام حين يستخدمون قدرتهم التنظيمية ونفوذهم في اصلاح المسلمين بالإسلام ليس رغبة في حطام الدنيا والتحكم السياسي ولكن ابتغاء مرضاة الله تعالى واعلاء لشرعه ودينه بالدعوة السلمية التى تعلى من شأن الانسان وحقوقه حتى لو اختلف معك في المعتقد. على أن الاخلاص هنا يعنى التفرغ لتغيير المناخ إلى الأفضل وهذا يستلزم عملا مضنيا مستمراً في التنوير والتوضيح والتثقيف للخلاص من الثقافة المتعصبة التى أرساها الإخوان أنفسهم منذ أكثر من نصف قرن. الواقع يقول انهم على مكانتهم يعملون. ينشرون فكرهم متمسحين بالإسلام، ويعملون على تربية الشباب على أساسه بأناة وتؤدة، وينتظرون الثمار على مهل.
17) ولكن تغيير المناخ كلية وفق ما يشتهيه الإخوان يستلزم وقتا طويلا.
ولكنه هو الخيار الأكثر ضمانا ، ثم هو نفس السياسة القديمة للحركات السياسية الدينية في العصور الوسطى ، سياسة النفس الطويل وتغيير المناخ على مهل أو بتعبيرهم تربية الفرد ثم تربية المجتمع، فاذا وصل الفرد والمجتمع إلى اعتناق الفكر الوهابى مستعدا للتضحية بنفسه كما يفعل الانتحاريون اليوم تهيأ لهم المناخ للحكم بدون معارضة.
18) ولكن الإخوان سعوا للحكم وكادوا ان يصلوا له ، وأحيانا وصلوا له لفترة أو فترات؟
حدث فعلا وفشلوا ، فتعلموا من أخطائهم ولن يكرروها. حاول الإخوان الوصول للحكم عن طريق دبابات الجيش فوقعوا ضحية للعسكر.
حاولوا استخدام عبد الناصر فاستخدمهم عبد الناصر ولعب بهم. في الجزائر كانوا قواد الحركة الوطنية في مقاومة المستعمر الفرنسى ولكن بنفوذ عبد الناصر صار العسكريون في المقدمة ووصلوا للحكم دونهم، حاولوا تعويض ذلك بالسيطرة على التعليم منتهزين فرصة التعريب في الجزائر، فقام بالتعريب أئمة الإخوان وشبابهم من الغزالى إلى الشعراوى وغيرهم ، وبالتعريب تحول الجيل الجديد إلى التطرف ، وفي الانتخابات كادوا أن يصلوا للسلطة ولكن عسكر الجزائر وقف لهم بالمرصاد وألغى الانتخابات في ظل سلبية عامة من جماهير الشعب الجزائرى، فأقام المتطرفون مذابح دموية للاطفال والنساء والأبرياء الجزائريين انتقاما من الحكام العسكر.
في السودان وصل الترابى إلى الحكم تابعا للبشير فما لبث البشير أن ألقى به في السجن. بسبب الإخوان والحركة السلفية انقسمت الهند إلى باكستان والهند، وبالنفط السعودى أنشئت المدارس الوهابية والجامعة الإسلامية في اسلام أباد. قامت الحركة السلفية والإخوان في باكستان بتجميع ابناء الفقراء ويتامى الحروب وتعليمهم في المدارس وكلية الشريعة في اسلام أباد, وأطلق عليهم الطالبان. أصبح الطالبان قوة عسكرية ضاربة بانضمام أقرانهم من الأفغان على الحدود بين باكستان وافغانستان.
انتهى الأمر بوصول الطالبان لحكم أفغانستان ثم انهزموا بعد أن أعطوا نموذجا مفزعا للحكم السلفي الإخوانى. في كل الأحوال تبين للاخوان أن العصر الآن ليس ملائما لهم ، لذا هم يعملون بصبر وأناة للمستقبل مستغلين كل ما يحدث الآن لصالح استراتيجيتهم الرامية إلى غسيل مخ الأفراد بالثقافة الوهابية وعقيدتها في الحاكمية. عندها تأتيهم السلطة راكعة وبدون معارضة أو نقاش بل السمع والطاعة .
19) اذا كانت هذه هى استراتيجيتهم ، فما هو التكتيك الذي يتبعونه. ما هى خططهم؟
المساعدات المجانية تأتى للاخوان المسلمين بلا مشقة ومن الجميع بلا استثناء. من مصلحة الإخوان تأكيد العداء بين المسلمين واليهود، وقد استغلوا الصراع العربى الاسرائيلى في هذا. عن طريق حماس تحول النضال السلمى السياسي إلى ارهاب يقتل المدنيين اليهود في الشوارع والفنادق ودور العبادة والنوادى ومحطات المواصلات.مما جعل الوصول لحلول وسطى أكثر تعقيدا.
من مصلحة الإخوان تأكيد العداء بين المسلمين والمسيحيين ، وهذا تتكفل به السياسة الأمريكية في العراق والشرق الأوسط، اذ يسهل تحويل الصراع السياسي إلى صراع دينى وفق المفهوم الإخوانى. يريد الإخوان تأكيد العداء بين المسلمين والأقباط في مصر فيتبرع بعض المتعصبين من الأقباط بالهجوم على الإسلام نفسه عبر مواقع الانترنت فيثيرون المعتدلين المسلمين المتعاطفين مع الاقباط والمناوئين للاخوان. العسكر المستبدون بالسلطة في الشرق الأوسط هم الأعداء التقليديون للاخوان في مصر وسوريا وغيرها وهم أيضاً الأكثر فائدة للاخوان لأن العسكر يحاولون المزايدة دينيا على الإخوان برعاية أكثر للثقافة السنية الوهابية. وهناك ناحية أخرى اذ يجمع بين الإخوان والاستبداد العسكرى الخوف من الاصلاح الدينى والسياسي ، لذا يتبارى العسكر في مطاردة دعاة الاصلاح ليبقى الحال على ما هو عليه ولصالح الإخوان.
الاستفادة الكبرى تأتى للاخوان مجانا من جهتين: الأولى دول النفط ونشرها للفكر الوهابى بالقنوات الفضائية ومواقع الانترنت والانتاج الفكرى والثقافي والدرامى والدينى. الجهة الأخرى هى التنظيمات المسلحة المختلفة وعملياتها الارهابية في كل أنحاء العالم. الهدف الأساسى لهذه العمليات هو شغل الغرب وأمريكا وكل من يهمه الأمر بهذه الضربات الارهابية المتفرقة عن ما هو أخطر، وهو “التمكين”.
التمكين في مصطلحاتهم هو التوغل شيئا فشيئا في السيطرة على الأفراد عقائديا ، بحيث يكون الفرد مستعدا لتفجير نفسه عندما يؤمر. فاذا تمكنوا من السيطرة على أفراد المجتمع قلبا وقالبا فقد تحقق لهم التمكين والسلطان المقيم. اذا وصلوا إلى تربية نصف مليون فرد على السمع والطاعة والاستعداد بحيث يكون كل فرد منهم متحمسا لأن يكون انتحاريا فسيبدأون المرحلة الأولى في التمكين، وهى الارهاب العام لكل الأقباط والعلمانيين والمعارضين السياسيين والمفكرين لطردهم من مصر. وعندها تخلو لهم مصر بملايينها المستضعفين ليصبحوا رعايا خاضعين لهم وفق ما كان سائدا في العصور الوسطى.
20) اذن كيف نواجههم؟
المواجهة هنا فكرية ثقافية تسندها وتؤازرها مواجهة قضائية في ساحات المحاكم. قبل التوضيح لا بد أن نبدأ هنا بالممنوعات وهى:
أولا: المواجهة بالعنف مرفوضة. اذا واجهت الفكر بالسلاح انتصر الفكر حتى لوكان فكرا سيئ السمعة. اذا قضيت على الدولة الايدلوجية بالسلاح تاركا أساسها الايدلوجى فانها ـ اى الدولةـ لا تلبث أن تنهض طالما بقى بناؤها الايدولوجى قائما وقادرا على خلق الأنصار والأتباع . قضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية في هدوء بموت الخليفة العاضد الفاطمى . ولأن الدولة الفاطمية دولة ايدولوجية عقائدية تقوم على التشيع فان صلاح الدين حارب التشيع من داخل الثقافة السائدة لدى المسلمين ، وكانت التصوف وقتها. استورد صلاح الدين الأيوبى متصوفة إلى مصر وخصص لهم خانقاة سعيد السعداء وجعل لهم طقوسا في الذهاب لصلاة الجمعة ومنحهم وغيرهم الامكانات حتى حولوا المجتمع المصرى من التشيع إلى التصوف ، فظل التصوف هو التدين العملى للمصريين إلى أن قلص الوهابيون نفوذه أخيرا عن طريق الإخوان المسلمين.
محمد على باشا هزم دمر الدولة السعودية الأولى سنة 1818 واكتفي بهذا الجهد العسكرى تاركا الوهابية دون مواجهة فكرية مع وجود الأزهر وقتها عدوا لدودا للوهابية ،فازدهرت الوهابية وتضاعف أنصارها حتى خارج الجزيرة العربية مما مكن الأسرة السعودية من اعادة ملكهم في الدولة السعودية الثانية ، ثم الثالثة.
عبد الناصر واجه الإخوان المسلمين بالعنف والتعذيب دون مواجهة للفكر الوهابى الذي تقوم عليه ايدلوجيتهم . ربما أراد باصلاح الأزهر أن يقوم بهذه المهمة ولكن اصلاح الأزهر لم يكتمل وانشغل عنه عبد الناصر بمعارك أخرى ومات تاركا المناخ موائما للاخوان بعد أن اكسبهم شهرة وتعاطفا بسبب ما فعله معهم من تعذيب واضطهاد . استفاد الإخوان من سياسة عبد الناصر العنيفة معهم وخسر عبد الناصر في صراعه معهم لأنه استخدم السلاح غير المناسب.
المشكلة هى في نظام مبارك الذي يتفوق دائما على نفسه بالفشل. يدافع بضراوة عن الفكر الوهابى ويجعله ممثلا للاسلام ، ويعاقب القرآنيين المصلحين ويتهمهم بازدراء الدين لأنهم يناقشون الوهابية والفقه السنى بالقرآن والتراث نفسه. وفي نفس الوقت يضطهد الإخوان ويقوم بتعذيبهم ، يعاند الاصلاح الديمقراطى والاصلاح الدينى ويصل بالبلاد إلى الحضيض في كل الميادين، ويحاصر الأحزاب الشرعية في مقراتها ، ويمنع العمل السياسي في الجامعات بينما يترك المساجد والأزهر مقصورا على تدعيم فكر الإخوان السياسي والعقائدى مما يجعل الإخوان هم البديل المتاح بعد مطاردة كل المصلحين وتهميش منظمات المجتمع المدنى الممثل الحقيقى للتقدم والاصلاح والديمقراطية. بكل هذا الحمق من النظام نجح الإخوان وكان نجاحهم متوقعا. ان المواجهة مع الإخوان لا تكون الا ثقافية فكرية عقلية مسالمة. التعامل معهم بالعنف هو الممنوع الأول.
الممنوع الثانى:
هو دخول شخصيات مسيحية أو أفكار مسيحية أو علمانية في هذه المواجهة الثقافية الدينية و القضائية. لا يقوم بهذه المواجهة الا مسلمون متدينون لهم تاريخهم في النضال ضد التطرف والارهاب وخبرتهم في المواجهة ونبوغهم في الإسلاميات وولاؤهم لحقوق الانسان وحقوق المواطنة والديمقراطية.هم فقط الذين يستطيعون مواجهة الإخوان من داخل الإسلام ومن داخل عقيدتهم وثقافتهم وبنفس اسلوبهم وأدواتهم.هم فقط الذين لا يستطيع الإخوان المزايدة عليهم في التدين الإسلامى أو في التبحر...
******                                                                    
’’مراكش تايمز’’ منبر لمن لا منبر له, و صوت لمن لا صوت له, و ظل لمن لا ظل له, موقع الدراويش و الله الموفق و السلام عليكم
ذ محمد كوحلال كاتب مدون ناشط حقوقي مستقل مراكش المملكة المغربية
للاتصال :

No comments:

Post a Comment